[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول التناول السردي للحرب والعنف في سوريا. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
الروائي السوري عدنان فرزات
ربما تأخر الروائيون كثيرًا في الكتابة عن الحرية، جاءت الكتابة متأخرة أكثر من نصف قرن من الزمن، كان يفترض بالروائيين أن يكتبوا قبل خروج الناس للشارع لا بعد أن دمرت البلد. صمتنا طويلًا. الحيز الضيق الذي تتحدثون عنه لم يستطع الروائيون توسعته بالقدر الكافي، كان العامة أسبق منهم في فتح نوافذ ظنوا أنها تطل على الحرية. لذلك أصبح البناء الروائي اليوم في المنفى وفي الاغتراب، بحيث أن القراء الذين في الداخل لم يقرؤوا معظم الذي كتب عن الثورة وعن الدمار والخراب.. هناك من يكتب عن القصف وهناك من يقبع تحته.
الرواية فعلًا لا تتمتع بالحرية إلا إذا تعاملت مع الواقع، لا يكفي الرمز في مثل هذه الحالات، كمن يمسح سيفًا مضرجًا بالدماء بجناح فراشة. كان الواقع غنيًا بالديكتاتورية وكان الروائيون يحلمون بفتاة شاهقة الجيد بطلة لرواياتهم، ليس الجميع طبعًا، ولكن ثمة من خدّر الناس بسطحية الطرح، في الوقت الذي كانت نوافذ الوطن موصدة على أناسها، لم يكلف الروائيون أنفسهم عناء حمل شمس يدخلونها من تلك النوافذ.
أعرف أن القبضة كانت أشد فتكًا على الروائي أن يحمل الشمس، ولكن كان بإمكانه أن يحمل حزمة ضوء على الأقل، وجوابًا على تساؤلكم حول أن تحمل الرواية نبوءة ما، فهو ما فعلته من خلال الرواية التي
كتبتها قبل الثورة بعام، رواية "جمر النكايات"، وفيها استشراف للحرية ورفض للفساد السياسي.
لا أعتبر ذلك بطولة أدبية بل هي كلمتي التي قلتها آنذاك. كل ما قمت به حينها أنني قرأت الواقع، حللت معطياته، ربما كثيرون مثلي أجادوا قراءة الواقع إلا أنهم لم يمسكوا بأقلامهم.
اليوم أصبح لدينا واقعًا مختلفًا، يمكن أن نسميه "ما بعد الأمر الحتمي"، فما حدث حدث، ولا نفتح صفحات اللوم والعتاب، بل ننظر إلى ما نحن فيه، فهل يبقى الروائيون في محيط السلبية، أم يدونون التاريخ؟.. وإن دونوه فهل سيكتبون بموضوعية أم بانحياز؟.. هذه التساؤلات لأن الشرطي الذي تحدثتم عنه ليس دائمًا سلطويًا، ولن يتقاعد بسهولة.
أما عن الاستعجال في كتابة الرواية أثناء الحدث فهذا الكلام ينطبق على الزمن القديم، قبل وجود هذا التدفق الهائل من وسائل الاتصالات الحديثة والسريعة، بحيث أصبحنا نشاهد الأحداث في أعمال درامية تلفزيونية مثلًا وهي ما تزال قائمة في الشارع. وكذلك بالنسبة للرواية، فهي تصدر بينما الأحداث ما تزال ساخنة، وهذا الأمر له جانبان أحدهما إيجابي، والآخر سلبي، أما الجانب الإيجابي، فهو يتمثل في أن الروائي لن يكون بوسعه الإتيان بوقائع مغايرة للواقع لأن الحدث ما يزال قائمًا والناس تراه وتحكم على مصداقيته من عدمها. أما الجانب السلبي، فيتجسد في الخشية من الوقوع في مطب الاستعجال والكتابة الإنشائية.
هناك معادلة قلّ من يجيدها وهي الجودة والوقت، أي أن تصدر عملًا جيدًا بوقت مناسب. والكتابة لا تهلك بهلاك أحد، من مآسي الزمن أن الكتابة أبقى من الإنسان، وربما هذا أيضًا من مستلزمات الأقدار.
*************
عدنان فرزات في سطور:
ولد الكاتب والروائي السوري عدنان فرزات، في مدينة دير الزور عام 1964، ويقيم في الكويت منذ سنوات طويلة. وهو مسؤول المركز الإعلامي في مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وسكرتير تحرير مجلة "البيان" الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتيين.
يكتب في عدد من الصحف والمجلات العربية، وأعد الكثير البرامج التلفزيونية والإذاعية، وهو عضو رابطة الصحافيين السوريين، وعضو رابطة اتحاد الأدباء السوريين اللتين اسستا خلال سنوات الثورة السورية.
يعد "فرزات"، وهو شقيق رسام الكاريكاتير الشهير علي فرزات، من أوائل الكتاب والأدباء الذين ناصروا ثورة شعبهم ضد الطغيان والاستبداد. وقد اشتغل في جميع رواياته على الحدث السوري المشتعل بامتياز. ويقول عن روايته الأخيرة "تحت المعطف": "هذه الرواية كانت استقراء لمأساة اللاجئين التي برزت أخيرًا بشكل جلي، لقد قرأت مأساة المهاجرين في البحر قبل استفحالها وكتبت عنها، وفعلًا فإن ما حدث لاحقًا للاجئين، مكتوب في رواياتي التي صدرت أواخر العام 2014. وتحكي الرواية عن المهاجرين العرب إلى الغرب بطرق التهريب، وكيف يتعرضون لابتزاز المهربين، ثم بعضهم يغرق والآخر يصل، وبعض الذين يصلون يتعرضون للاستغلال من قبل المتطرفين وتجنيد بعضهم، أو يتم استغلالهم إنسانيًا من قبل أبناء جلدتهم الذين سبقوهم بسنوات إلى هناك. كل هذا مدون في الرواية كرؤية استشرافية لما يحصل هذين اليومين".
وفي روايته الأولى "جمر النكايات"، التي اعتبرها بعض النقاد أنها "تنبأت بالثورة السورية قبل حدوثها بعام"، يتحدث الراوي عن حراك سياسي وتمرد في أحد أحياء دير الزور على الوضع القائم وضد الفساد، حيث بدأوا يخرجون فى مظاهرات محدودة أمام بيت امرأة تترشح للانتخابات وهى تمثلهم بصدق فيلتفون حولها ضد المرشحين الفاسدين التابعين للسلطة، ويتحرك الشارع البسيط ثم يتبعهم المثقفون حتى تتحول المدينة برمتها إلى موجة تمرد ضد السلطة.
أما في روايته الثانية "رأس الرجل الكبير"، فيتطرق الراوي إلى الحراك السياسى الحاصل فى سوريا، وهي أول عمل سردى يتعرض لهذا الحراك، بحيث ترصد الرواية نبض الشارع فى الأحياء الشعبية فى حلب، واختلاف هذا النبض عند رجال الأعمال، مما يشكل علاقة شائكة بين هيمنة الاقتصاد لهؤلاء، والرغبة بالانعتاق لدى العامة البسطاء.
وتشتبك رواينه الثالثة "كان الرئيس صديقي" بشكل مباشر مع واقع الثورة السورية، وتدور أحداثها عن الوضع الذي تمر به سوريا بشكل أدبي وإنساني متخذا من علاقة صداقة بين فنان كاريكاتير (نورس) والرئيس مدخلا لهذا السرد متكئًا على العلاقات الإنسانية والدواخل النفسية. عارضًا سنوات الظلم والقهر التي تعرض لها الشعب السوري والتي كانت بركانا انفجر بوجه النظام.
وفي روايته الرابعة الموسومة بـ"لقلبك تاج من فضة" عمل "فرزات" على التقاط إرهاصات الثورة في أكثر من مدينة سورية، من خلال تصوير حال الشخصيات ومدى استجابتها وتفاعلها مع الأحداث، ورصد مختلف التوجهات والرؤى.
وفيها يعود الروائي لمسقط رأسه ليصف كيف تهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وكيف يتهاوى الجسر المعلق الذي كان معلمًا تاريخيًا من معالم دير الزور وينهار إثر قصفه، وكيف يملأ القناصون الأرجاء ويعطلون سير الحياة.
صدر له خمس روايات:
- "جمر النكايات"، دار صائب، طبعة أولى دير الزور 2010. وصدرت بعد أربعة شهور طبعة ثانية، وترجمت إلى اللغة الانكليزية.
- "رأس الرجل الكبير"، دار الوفاء، طبعة أولى الإسكندرية 2011.
- "كان الرئيس صديقي"، دار المبدأ، الكويت 2013.
- "لقلبك تاج من فضة"، دار المبدأ، الكويت 2014.
- "تحت المعطف"، دار سما، الكويت 2014. وقد ترجمها مؤخرًا إلى اللغة الانكليزية البروفيسور الأمريكي Michel Mitias.